ونحن نعيش على هذه الأرض نرى ونسمع بالكثير من الفواكه والخضروات منها ما قد نالته أيدينا ومنها ما لم تنله، ومنها ما يوصف كعلاج ومنها ما يوصف كطعام أو شراب أو غير ذلك، ولكن لو تأملنا في كل هذا سنجد أن الله تعالى هو خالق كل شيء رحمة بنا، ولحكمة منه سبحانه جعل في كل شيء من هذه الأشياء التي خلقها فائدة وسراً لا يكاد يعلمه الناس إلا بعد حين من الدهر وذلك بعد أبحاث ودراسات وتجارب يتوصل بها أصحاب الاختصاص إلى ثمرة تلك الجهود، ولعلنا في هذا البحث سنتناول ثمرة من الثمار التي خلقها الله سبحانه وأنشأها تحت الأرض وهدى عباده إليها وعلمهم كيف يتناولونها وهي الكمأة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الثمرة لم يتركها الخالق بدون ذكر بل أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فذكرها قائلاً: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»
ولكن لماذا ذكرها المصطفى وهل هي فعلاً كما قال؟ وقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ وهل جاء اليوم الذي يثبت فيه أهل الاختصاص إعجاز هذا الحديث؟ فتعال معي نخطو معاً في رحاب الوحي والعلم لننهل من معينه فنزداد إيماناً وثواباً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإنه وكما قال الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق: يا أبن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
كيفية العلاج بالكمأة:
اختلفت طرق ووسائل العلاج بالكمأة كما اختلفت طرق ووسائل أكله، فكل بلد له فلسفة خاصة في أكله أو العلاج به، غير إن المشتهر عنه أنه غذاء لذيذ وشهي، هذا ما تعارف عليه الناس من القدم إلا أن البعض استطاع أن يكتشف أنه سبب لعلاج بعض الأمراض بإذن الله فابن حجر رحمه الله يقول: "إن إدمان أكل الكمأة يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول والرطب منها أقل ضرراً من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها فلذلك كان ماؤها شفاء للعين".
وقال ابن القيم نقلاً عن الغافقي: "ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة ويدفع عنها نزول النوازل"
وقال النووي: "الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقاً فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به فنفعه الله به".
كما نقل ابن حجر عن الخطابي قائلاً: "إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والعكس بالعكس" .
أما المراد بماء الكمأة فقد قال ابن الجوزي في المراد بكونها شفاء للعين قولان:
أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها قال ويصدق هذا أن بعض الأطباء قالوا أكل الكمأة يجلو البصر.
ثانيهما: أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع.
الثاني: أن المراد ماؤها الذي تنبت به فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربي به الأكحال، فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء، قال ابن القيم: "وهذا أضعف الوجوه، قلت وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً -أي وحدها من غير إشراكها بغيرها من المواد- نظر فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلاً وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة.
وبهذا جزم ابن العربي فقال الصحيح أنه ينفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى، وقد جرب ذلك فوجد صحيحاً، نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي، وقال: ولا تستعمل صرفاً فإن ذلك يؤذي العين".
وذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمداً فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ما سويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: اشهد أن صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحقيقة أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، خاصة إذا ثبت أن أكلها بصورة ما لا يسبب الموت أو المرض، فإذا ثبت أن أكلها سبّب مرضاً بعد ذلك أو موت ففي هذه الحالة لا تكون تلك الثمرة أو النبتة سبب في ذلك المرض لثبوت السلامة أولاً، لأن العارض الجديد يكون بسبب خارجي عنها، فإذا عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، كان ذلك العارض هو السبب، فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة واستعمال المواد الكيميائية، وكل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله ويدفع الله عنه الضرر بنيته والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق